إن ابتداء خلق الكون وكيفية تطوره وحركته وزمن تشكيل السدم كل ذلك لم يزل غامضاً بعض الشيء، وكل ما دار حوله لا يعدو ان يكون تصورات ونظريات، والنظرية في العلوم الطبيعية ما هي الا فرض يرجح العلماء صحته بتتابع الوقائع وزيادتها، ولكن ما يزال الاحتمال عندهم بنقض ما فرضوه لما يظهر من تفاوت بين الحقائق الموجودة فعلاً وما خرجوا به من نظريات، فاذا اكثرت الوقائع واستمرت في الزيادة عندهم البراهين والادلة في صحة النظرية، تتحول في النهاية الى قانونٍ، لذلك نلاحظ ان هناك مفاهيم فلسفية عديدة تبحث في هذا العلم، كل منها يبحث ويفترض مبدأً معيناً، ومن هذه المفاهيم مثلاً مفهوم المبدأ الكوني(Cosmological Principle) الذي يفترض ان الكون متجانس (Homogeneous) ومتماثل الخواص الاتجاهية (Isotropic) وكذلك مفهـوم المبدأ الكوني المتكامل (Perfect Cosmological) (Principle) أي متماثل الخواص الاتجاهية ومتجانس في المكان والزمان (لا يتغير مع الزمن)، وان النظرية التي اتبعت المبدأ الاخير هي نظرية الخلق المستمر (Continuous Creation)، والتي تنص على ان الكون لا يملك لحظة ابتداء او لحظة انتهاء
- نظرية الانفجار الاعظم(كون لي ميتر المنفجر):
لقد وصف القسيس (لي ميتر) كونه أبان النشوء، بأنه كان منكمشاً على نفسه انكماشاً كلياً تتكدس المادة فيه بعضها على بعض لتشكل نواته الاولى الضخمة المستقرة. وما لبثت لسبب من الاسباب ان انفجرت فتطايرت اشلاؤها في رحاب هذا الكون واخذت في الانتشار والتباعد من اثر قوة هذا الانفجار المروع بسرع متفاوتة مع مسافاتها. وقد قدّر (لي ميتر) تاريخ حدوث هذا الانفجار الى قبل عشرة آلاف مليون سنة، كما صرح بأن الكون ماضٍ في التمدد وسيستمر الى ما لانهاية. ولاقت هذه النظرية استحساناً وقبولاً من معظم الاوساط العلمية نظراً لتوافق بعض وقائعها مع احدث ما توصلت اليه الارصاد الفلكية والبحوث العلمية، وقالوا ما ان يصل الكون الى اقصى حدود التمدد، حتى تصل عنده القوة الطاردة حدها الاصغر، ثم تنعكس هذه الظاهرة في تلك النقطة فتتغلب عليها قوة الجذب فتبدأ عملية الانكماش فعلها المتواصل لتعود بالكون تدريجياً الى حالته الاولى، ثم يعاد الانفجار مرة اخرى وهكذا تتناوب هذه الظاهرة. ولقد دأب فريق آخر للبحث في نظرية (لي ميتر) الانفجارية في الستينات كان ابرزهم (جورج كامو) احد الباحثين في الفيزياء الذرية أجرى بعض التعديلات، اذ افترض هو والعالمان (تولمان) و (روبرت دك) بان الكون ابتدأ بكرة نارية هائلة من الطاقة والمادة بكثافة غير محدودة وبدرجة حرارة تقارب (10 10) كلفن، إذ ربما كانت جسيمات المادة تتكون من البروتونات والالكترونات والنيوترونات والنيوترينو، وبعد (100) ثانية من الانفجار بردت الى (10 9) كلفن، حيث بدأ بناء النويات الثقيلة، واستمرت عملية البناء لبضع ساعات، حيث انخفضت درجة الحرارة الى (10
كلفن وتحول قرابة 20% من المادة الى هليوم وقليل من الديوتريوم(الهيدروجين الثقيل (H12)(اقل من 0,001). ان الكمية المتولدة من الديوتريوم تعتمد على كثافة الكرة النارية، لأن الكثافة العالية تساعد على تحويله الى الهليوم، اما الباقي فيتحول الى هيدروجين، ولكن بعد مليون سنة حيث تصبح الكرة النارية تشبه باطن النجوم الحارة والمعتمة، ستبرد تدريجياً الى 3000 كلفن والكثافة تقارب (1000) ذرة /سم3 وتصبح الكرة النارية باردة وشفافة للاشعاعات بسبب تعادل ذرات الهيدروجين فتتسرب الاشعاعات الى اجزاء الكون بحرية منفصلة عن المادة، وبعد بليون سنة تتكثف المادة الى مجرات ونجوم. ان كرة النار غير محددة في الفراغ فهي ليس لها موقع، وبسبب الزحزحة نحو الاحمر تتولد اشعاعات راديوية من جسم اسود بدرجة تقارب (3) كلفن، وهذا الجزء الاسود يحيطنا من جميع الجهات. واكتشف العالمان (آرنوبنزياس) و(روبرت ولسن) عام (1965) هذه الاشعاعات على طول موجة 7,35سم ولوحظ انها قادمة من جميع الاتجاهات وبكميات متماثلة الخواص الاتجاهية في الفضاء، سميت بالاشعاعات الخلفية الكونية (Cosmic Radiation Background) والإشعاعات الخلفية الاولية. ولقد تأيد ذلك بصورة مستقلة من دراسة امتصاص خطوات الطيف لهذه الاشعاعات من قبل جزيئات السيانوجين للامواج
(2.6) سم . كذلك اثبت ان عدم اعتماد شدة الاشعة الكونية على الاتجاه يؤيد نظرية الكون المتطور . إن اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية جعل من نظرية الانفجار الاعظم اكثر ارتكازاً من ناحية تفسيرها لنشوء الكون كما دحرت نظرية الكون المستقر . بعد حدوث الانفجار الكبير مباشرة كان الكون خليطاً من الإشعاعات ما بين درجة (1010-10 12) كلفن، والفوتونات تمتص قبل رحيلها بعيداً لتُكون المادة، وبعدها اخذ الكون يبرد تدريجياً الى ان اصبحت درجة حرارته (3000) كلفن بعد مليون سنة تقريباً من لحظة الانفجار، ثم ارتبطت ايونات الهيدروجين مع الإلكترونات فجأة لتكوين ذرات الهيدروجين، وخلال هذه المرحلة اصبح الكون اقل عتومة مما كان عليه في البداية، لان الهيدروجين يمتاز باحتوائه على الطيف الخطي، ومن ثم اصبح الكون شفافاً لعدم حصول عمليتي الامتصاص الكلي والاشعاع الكلي من قبل المادة الكونية، عندئذ تركت بقايا الإشعاعات الأولية في الكون والمستمرة في انطلاقها خلال الفضاء الى الأبد